فصل: فَصْلٌ: فِي صِفَةِ الْغُسْلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ

جَمْعُ نَاقِضَةٍ بِمَعْنَى نَاقِضٍ، إنْ قِيلَ‏:‏ لَا يُجْمَعُ فَاعِلٌ وَصْفًا مُطْلَقًا عَلَى فَوَاعِلَ إلَّا مَا شَذَّ أَوْ جَمْعُ نَاقِضٍ إنْ خُصَّ الْمَنْعُ بِوَصْفِ الْعَاقِلِ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ‏(‏وَهِيَ مُفْسِدَاتُهُ‏)‏ أَيْ الْوُضُوءِ، جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لِلتَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ حَقِيقَةٌ فِي الْبِنَاءِ‏:‏ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعَانِي كَنَقْضِ الْوُضُوءِ، وَالْعِلَّةُ‏:‏ مَجَازٌ ‏(‏ثَمَانِيَةٌ‏)‏ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَحَدُهَا ‏(‏الْخَارِجُ وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏نَادِرًا‏)‏ كَالرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ وَالدُّودِ وَالْحَصَى مِنْ الدُّبُرِ، فَيَنْقُضُ كَالْمُعْتَادِ، وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ مِنْ الدُّبُرِ، لِحَدِيثِ ‏{‏فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ‏.‏

فَأَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَدَمُهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ‏.‏

وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ‏.‏

أَشْبَهَ الْمُعْتَادَ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ أَوْ رِيحٍ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَشْمَلُ الرِّيحَ مِنْ الْقُبُلِ وَالْحَصَاةِ تَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ نَجِسَةٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْخَارِجُ ‏(‏طَاهِرًا‏)‏ كَوَلَدٍ بِلَا دَمٍ، فَيَنْقُضُ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُقَطَّرًا‏)‏ بِفَتْحِ الطَّاءِ مُشَدَّدَةً، بِأَنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا‏.‏

ثُمَّ خَرَجَ فَيَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَلَّةٍ نَجِسَةٍ تَصْحَبُهُ، فَيَتَنَجَّسُ لِنَجَاسَةِ مَا لَاقَاهُ، قَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْح وَلَوْ قَطَّرَهُ فِي غَيْرِ السَّبِيلِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ‏.‏

كَمَا لَوْ قَطَّرَهُ فِي أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يُنْقَضْ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُحْتَشًى‏)‏ بِأَنْ احْتَشَى قُطْنًا أَوْ نَحْوَهُ فِي دُبُرِهِ أَوْ قُبُلِهِ ‏(‏وَابْتَلَّ‏)‏ ثُمَّ خَرَجَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، سَوَاءٌ كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا أَوْ لَا‏.‏

وَمَفْهُومُهُ‏:‏ إنْ لَمْ يَبْتَلَّ لَا يُنْقَضْ‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَهُوَ الْمَذْهَبُ‏:‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ‏.‏

وَلَمْ تَصْحَبْهُ نَجَاسَةٌ‏.‏

فَلَمْ يُنْقَضْ انْتَهَى‏.‏

وَمُقْتَضَاهُ‏:‏ أَنَّ الْمُحْتَشَى فِي دُبُرِهِ يَنْقُضُ إذَا خَرَجَ مُطْلَقًا‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ يَنْقُضُ الْمُحْتَشَى إذَا خَرَجَ وَلَوْ لَمْ يَبْتَلَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مَنِيًّا دَبَّ‏)‏ إلَى فَرْجٍ ثُمَّ خَرَجَ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَنِيًّا ‏(‏اسْتُدْخِلَ‏)‏ بِنَحْوِ قِطْعَةٍ فِي فَرْجٍ، ثُمَّ خَرَجَ نَقَضَ‏.‏

لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ، لَا يَخْلُو عَنْ بَلَّةٍ تَصْحَبُهُ مِنْ الْفَرْجِ‏.‏

وَالْحُقْنَةُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ أَدْخَلَ بَعْضَ الزَّرَّاقَةِ نَقَضَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْقُبُلِ أَوْ فِي الدُّبُرِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَنْقُضُ الْخَارِجُ إنْ كَانَ ‏(‏دَائِمًا‏)‏ كَدَمِ مُسْتَحَاضَةٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ وَنَحْوِهِ، لِلضَّرُورَةِ ‏(‏مِنْ سَبِيلٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَارِجِ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ‏.‏

فَيَنْقُضُ مَا خَرَجَ مِنْهُ ‏(‏إلَى مَا‏)‏ أَيْ مَحَلٍّ ‏(‏يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ‏)‏ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْخَارِجُ إذَا لَمْ يَلْحَقْهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ مِنْ الْخَبَثِ لَمْ يَلْحَقْ سَبَبَهُ حُكْمُ التَّطْهِير مِنْ الْحَدَثِ وَالْجَارُّ أَيْضًا مُتَعَلِّقٌ بِالْخَارِجِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ لَمْ يُنْقَلْ الْخَارِجُ، بَلْ كَانَ ‏(‏بِظُهُورِ مَقْعَدَةٍ عُلِمَ بَلَلُهَا‏)‏ نَصًّا‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَلَلُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْوُضُوءُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَكَذَا طَرَفُ مُصْرَانٍ وَرَأْسُ دُودَةٍ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَنْقُضُ ‏(‏يَسِيرُ نَجَسٍ‏)‏ خَرَجَ ‏(‏مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ‏)‏ أَيْ قُبُلَيْ ‏(‏خُنْثَى مُشْكِلٍ غَيْرَ بَوْلٍ وَغَائِطٍ‏)‏ لِلشَّكِّ فِي النَّاقِضِ‏.‏

وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ فَرْجٍ أَصْلِيٍّ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ كَثِيرًا أَوْ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا أَوْ خَرَجَ النَّجِسَانِ أَوْ الطَّاهِرُ مِنْهُمَا‏.‏

نَقَضَ ‏(‏وَمَتَى اسْتَدَّ الْمَخْرَجُ‏)‏ الْمُعْتَادُ وَلَوْ خِلْقَةً ‏(‏وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُنْفَتِحُ ‏(‏أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُنْفَتِحِ ‏(‏حُكْمُ‏)‏ الْمَخْرَجِ ‏(‏الْمُعْتَادِ‏)‏ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ لَهُ ‏(‏فَلَا نَقْضَ بِرِيحٍ مِنْهُ‏)‏ وَلَا بِمَسِّهِ، وَلَا بِخُرُوجِ يَسِيرِ نَجَسٍ غَيْرَ بَوْلٍ وَغَائِطٍ، وَلَا غُسْلٍ بِإِيلَاجٍ فِيهِ بِلَا إنْزَالٍ وَتَقَدَّمَ لَا يَجْزِي فِيهِ اسْتِجْمَارٌ ‏(‏الثَّانِي خُرُوجُ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ‏)‏ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُمَا ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ كَثِيرًا كَانَ الْبَوْلُ أَوْ الْغَائِطُ أَوْ يَسِيرًا ‏(‏أَوْ‏)‏ خُرُوجُ ‏(‏نَجَاسَةٍ غَيْرِهِمَا‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ ‏(‏كَقَيْءٍ وَلَوْ‏)‏ خَرَجَ الْقَيْءُ ‏(‏بِحَالَةٍ‏)‏ بِأَنْ شَرِبَ نَحْوَ مَاءٍ وَقَذَفَهُ بِصِفَتِهِ، لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ بِوُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِاسْتِحَالَتِهِ ‏(‏فَاحِشَةً‏)‏ نَعْتٌ لِنَجَاسَةٍ ‏(‏فِي نَفْسِ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ‏)‏‏.‏

رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْخَلَّالُ‏:‏ الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ‏:‏ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَسْتَفْحِشُهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ‏.‏

لَا مَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ‏}‏ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ حَرَجٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا‏.‏

وَبِالنَّقْضِ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ‏.‏

لِحَدِيثِ مَعْدَانُ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ‏.‏

قَالَ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمِشْقَ فَسَأَلْتُهُ‏.‏

فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ، أَنَا سَكَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

قِيلَ لِأَحْمَدَ‏:‏ حَدِيثُ ثَوْبَانَ ثَبَتَ عِنْدَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ ‏(‏بِقُطْنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا‏)‏ كَخِرْقَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏بِمَصِّ عَلَقٍ‏)‏ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمُعَالَجَةٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَنْقُضُ مَا خَرَجَ بِمَصِّ ‏(‏بَعُوضٍ‏)‏ وَهُوَ صِغَارُ الْبَقِّ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَبَقٍّ وَذُبَابٍ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ، لِقِلَّتِهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ زَوَالُ عَقْلٍ‏)‏ كَحُدُوثِ جُنُونٍ أَوْ بِرْسَامٍ، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا إجْمَاعًا ‏(‏أَوْ تَغْطِيَتُهُ‏)‏ أَيْ الْعَقْلِ بِسُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ ‏(‏حَتَّى بِنَوْمٍ‏)‏ وَهُوَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ، تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ يَرْفَعُهُ ‏{‏الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اُسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ‏"‏ وَالسَّهُ ‏"‏ حَلْقَةُ الدُّبُرِ‏.‏

وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ‏:‏ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَثْبَتُ وَأَقْوَى وَفِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِهِ بِمَا هُوَ آكَدُ مِنْهُ كَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ‏.‏

وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَلَوْ تَلَحَّمَ عَلَى الْمَخْرَجِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ إلْحَاقًا بِالْغَالِبِ ‏(‏إلَّا نَوْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ كَثِيرًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا‏.‏

لِأَنَّ نَوْمَهُ كَانَ يَقَعُ عَلَى عَيْنَيْهِ دُونَ قَلْبِهِ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إلَّا النَّوْمُ ‏(‏الْيَسِيرُ عُرْفًا مِنْ جَالِسٍ‏)‏ ‏{‏لِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مِنْ مُنْتَظِرِي الصَّلَاةِ، فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ‏.‏

وَإِنْ رَأَى رُؤْيَا فَهُوَ كَثِيرٌ، وَعَنْهُ لَا، وَهِيَ أَظْهَرُ، وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ لَا يَدْرِي أَرُؤْيَا أَوْ حَدِيثُ نَفْسٍ‏؟‏ فَلَا نَقْضَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إلَّا الْيَسِيرُ عُرْفًا مِنْ ‏(‏قَائِمٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ‏.‏

رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجَالِسَ فِي التَّحَفُّظِ وَاجْتِمَاعِ الْمَخْرَجِ‏.‏

وَرُبَّمَا كَانَ الْقَائِمُ أَبْعَدَ مِنْ الْحَدَثِ ‏(‏لَا‏)‏ إنْ كَانَ النَّوْمُ الْيَسِيرُ ‏(‏مَعَ احْتِبَاءٍ أَوْ اتِّكَاءٍ أَوْ اسْتِنَادٍ‏)‏ فَيَنْقُضُ مُطْلَقًا كَنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ النَّقْضُ بِالْيَسِيرِ أَيْضًا مِنْ رَاكِعٍ وَسَاجِدٍ‏.‏

‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ مَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ‏)‏ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْفَرْجُ الْمَمْسُوسِ ‏(‏دُبُرًا‏)‏ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ‏.‏

أَمَّا مَسُّ الذَّكَرِ فَلِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ‏}‏ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَعِينٍ‏.‏

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ‏:‏ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ‏.‏

وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ‏.‏

رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ‏.‏

وَأَمَّا مَسُّ غَيْرِ الذَّكَرِ فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ‏.‏

وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏{‏أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ‏.‏

وَإِذَا انْتَقَضَ بِمَسِّ فَرْجِ نَفْسِهِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَجَوَازِهِ‏.‏

فَمَسُّ فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْلَى‏.‏

وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ بُسْرَةَ ‏"‏ مَنْ مَسَّ الذَّكَرَ فَلْيَتَوَضَّأْ ‏"‏ فَيَشْمَلُ كُلَّ ذَكَرٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْمَمْسُوسُ فَرْجُهُ ‏(‏مَيِّتًا‏)‏ لِمَا سَبَقَ، وَلِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ ‏(‏مُتَّصِلٍ‏)‏ صِفَةٌ لِفَرْجٍ‏.‏

فَلَا نَقْضَ بِمَسٍّ مُنْفَصِلٍ لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ بِقَطْعِهِ ‏(‏أَصْلِيٍّ‏)‏ صِفَةٌ أَيْضًا‏.‏

فَلَا يَنْقُضُ مَسُّ زَائِدٍ وَلَا أَحَدُ فَرْجَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ‏.‏

‏(‏ وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْفَرْجُ ‏(‏أَشَلَّ‏)‏ لَا نَفْعَ فِيهِ لِبَقَاءِ اسْمِهِ وَحُرْمَتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْمَمْسُوسُ ‏(‏قُلْفَةً‏)‏ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ وَتُحَرَّكُ‏:‏ جِلْدَةُ الذَّكَرِ‏.‏

لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الذَّكَرِ وَحُرْمَتِهِ مَا اتَّصَلَتْ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْمَمْسُوسُ ‏(‏قُبُلَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ‏)‏ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْجٌ أَصْلِيٌّ، فَيَنْقُضُ مَسُّهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زَائِدٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ مَسُّ غَيْرِ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى ‏(‏لِشَهْوَةٍ مَا لِلَامِسِ مِثْلِهِ‏)‏ بِأَنْ مَسَّ ذَكَرٌ ذَكَرَ الْخُنْثَى لِشَهْوَةٍ، وَالْأُنْثَى قُبُلَهُ الَّذِي يُشْبِهُ فَرْجَهَا لِشَهْوَةٍ‏.‏

فَيُنْقَضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ، لِتَحَقُّقِ النَّقْضِ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا نَقْضَ‏.‏

لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ مَسَّ خُنْثَى قُبُلَ خُنْثَى آخَرَ، أَوْ قُبُلَيْ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِتَيَقُّنِ النَّقْضِ، وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا فَلَا، وَمَسُّ دُبُرِهِ كَدُبُرِ غَيْرِهِ‏.‏

لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ‏.‏

وَإِنْ تَوَضَّأَ خُنْثَى وَلَمَسَ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَطَهَّرَ، وَلَمَسَ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ أَوْ فَائِتَةً‏.‏

لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا، دُونَ الْوُضُوءِ‏.‏

قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ‏(‏بِيَدٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِمَسَّ‏.‏

فَلَا نَقْضَ إذَا مَسَّهُ بِغَيْرِهَا، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ ‏"‏ مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ ‏"‏ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْيَدِ لَيْسَ بِآلَةٍ لِلْمَسِّ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْيَدُ ‏(‏زَائِدَةً‏)‏ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَطْنِ الْكَفِّ وَظَهْرِهَا وَحَرْفِهَا، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا‏.‏

أَشْبَهَ بَطْنَهَا ‏(‏خَلَا ظُفْرٍ‏)‏ فَلَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِالظُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَسَّ ‏(‏الذَّكَرَ بِفَرْجِ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ إذَا مَسَّ بِذَكَرِهِ فَرْجًا غَيْرَ الذَّكَرِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْ مَسِّهِ بِالْيَدِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِمَسِّ ذَكَرٍ بِذَكَرٍ‏.‏

وَلَا دُبُرٍ بِدُبُرٍ‏.‏

وَلَا قُبُلِ امْرَأَةٍ بِقُبُلِ أُخْرَى أَوْ دُبُرِهَا ‏(‏بِلَا حَائِلٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِمَسَّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ‏.‏

فَإِنْ مَسَّ بِحَائِلٍ فَلَا نَقْضَ، و‏(‏لَا‏)‏ يَنْقُضُ مَسُّ ‏(‏مَحَلِّ‏)‏ ذَكَرٍ ‏(‏بَائِنٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ وَكَذَا مَسُّ الْبَائِنِ لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا سَبَقَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَنْقُضُ مَسُّ ‏(‏شُفْرَيْ امْرَأَةٍ دُونَ مَخْرَجٍ‏)‏ لِأَنَّ الْفَرْجَ مَخْرَجُ الْحَدَثِ، لَا مَا قَارَبَهُ‏.‏

وَشُفْرَا الْفَرْجِ، بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ‏:‏ حَافَّتَاهُ‏.‏

وَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا مَا بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ‏.‏

‏(‏الْخَامِسُ‏:‏ لَمْسُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى الْآخَرَ‏)‏ أَيْ لَمَسَ ذَكَرٌ أُنْثَى، أَوْ أُنْثَى ذَكَرًا ‏(‏لِشَهْوَةٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ‏}‏ وَخَصَّ الْآيَة بِمَا إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ‏.‏

وَلِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ‏:‏ ‏{‏فَقَدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسَتْهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَنَصْبُهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي‏.‏

‏{‏وَعَنْهَا كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ‏.‏

فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلِي‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلِأَنَّ اللَّمْسَ لَيْسَ بِحَدَثٍ‏.‏

وَإِنَّمَا هُوَ دَاعٍ إلَيْهِ فَاعْتُبِرَتْ الْحَالَةُ الَّتِي تَدْعُو فِيهَا إلَيْهِ‏.‏

وَهِيَ حَالُ الشَّهْوَةِ‏.‏

وَقِيسَ عَلَيْهِ مَسُّ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ وَمَتَى لَمْ يَنْقُضْ مَسُّ أُنْثَى اُسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ نَصًّا ‏(‏بِلَا حَائِلٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِلَمْسٍ فَإِنْ كَانَ بِحَائِلٍ لَمْ يَنْقُضْ‏.‏

لِأَنَّهُ لَمْ يَلْمِسْ الْبَشَرَةَ أَشْبَهَ لَمْسَ الثِّيَابِ‏.‏

وَالشَّهْوَةُ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ كَمَا لَوْ وُجِدَتْ مِنْ غَيْرِ لَمْسٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ اللَّمْسُ ‏(‏ب‏)‏ عُضْوٍ ‏(‏زَائِدٍ لِزَائِدٍ‏)‏ كَالْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ كَالْأَصْلِيِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ اللَّمْسُ لِعُضْوٍ ‏(‏أَشَلَّ‏)‏ لَا نَفْعَ فِيهِ أَوْ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ اللَّمْسُ لِ ‏(‏مَيِّتٍ‏)‏ لِلْعُمُومِ‏.‏

وَكَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِوَطْءِ الْمَيِّتِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ اللَّمْسُ ل ‏(‏هَرِمٍ أَوْ مَحْرَمٍ‏)‏ لِمَا سَبَقَ و‏(‏لَا‏)‏ يَنْقُضُ مَسٌّ مُطْلَقًا ل ‏(‏شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَسِنٍّ‏)‏ وَلَا اللَّمْسُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفَصِلُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ أَشْبَهَ لَمْسَ الدَّمْعِ وَلِذَلِكَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَنَحْوُهُ أَوْقَعَ بِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَنْقُضُ لَمْسُ ‏(‏مَنْ‏)‏ لَهَا، أَوْ لَهُ ‏(‏دُونَ سَبْعٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا لَمْسُ ‏(‏رَجُلٍ لِأَمْرَدَ‏)‏ وَهُوَ الشَّابُّ، طَرَّ شَارِبُهُ وَلَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ‏.‏

قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَلَوْ لِشَهْوَةٍ‏.‏

وَكَذَا مَسُّ امْرَأَةٍ امْرَأَةً وَلَوْ لِشَهْوَةٍ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُ ‏(‏وَلَا إنْ وَجَدَ مَمْسُوسٌ فَرْجُهُ أَوْ مَلْمُوسٌ شَهْوَةً‏)‏ يَعْنِي لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ مَمْسُوسٍ فَرْجُهُ بِشَهْوَةٍ‏.‏

وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ شَهْوَةٌ، وَلَا وُضُوءُ مَلْمُوسٍ بَدَنُهُ لِشَهْوَةٍ، وَلَوْ وُجِدَتْ مِنْهُ شَهْوَةٌ‏.‏

بَلْ يَخْتَصُّ النَّقْضُ بِالْمَاسِّ وَاللَّامِسِ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُمَا‏.‏

وَلَا نَقْضَ أَيْضًا بِانْتِشَارٍ بِفِكْرٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ‏.‏

‏(‏السَّادِسُ‏:‏ غَسْلُ مَيِّتٍ‏)‏ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى‏.‏

لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَأْمُرَانِ غَاسِلَ الْمَيِّتِ بِالْوُضُوءِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ أَقَلُّ مَا فِيهِ الْوُضُوءُ ‏"‏ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الْغَاسِلَ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ مَسِّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ‏.‏

فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، كَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ ‏(‏أَوْ‏)‏ غَسْلُ ‏(‏بَعْضِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ فِي قَمِيصٍ، و‏(‏لَا‏)‏ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ ‏(‏إنْ يَمَّمَهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتَ لِعُذْرٍ، اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ‏.‏

وَغَاسِلُ الْمَيِّتِ، مَنْ يُقَلِّبُهُ وَيُبَاشِرُهُ، لَا مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ وَنَحْوَهُ ‏(‏السَّابِعُ‏:‏ أَكْلُ لَحْمِ إبِلٍ‏)‏ عَلِمَهُ أَوْ جَهِلَهُ، نِيئًا كَانَ أَوْ مَطْبُوخًا، عَالِمًا بِالْحَدِيثِ أَوْ لَا‏.‏

لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ‏{‏أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قِيلَ‏:‏ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ‏.‏

رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيِّ‏:‏ ذَهَبَ إلَى هَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏

وَدَعْوَى النَّسْخِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَرْدُودَةٌ‏.‏

وَقَدْ أَطَالَ فِيهِ فِي شَرْحِهِ و‏"‏ إبِلٌ ‏"‏ بِكَسْرَتَيْنِ وَتُسَكَّنُ الْبَاءُ‏.‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ وَاحِدٌ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ‏.‏

وَلَيْسَ بِجَمْعٍ وَلَا اسْمِ جَمْعٍ‏.‏

وَجَمْعُهُ آبَالٌ ‏(‏تَعَبُّدًا‏)‏ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ‏(‏فَلَا نَقْضَ‏)‏ بِأَكْلِ مَا سِوَى لَحْمِ الْإِبِلِ مِنْ اللُّحُومِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ مُحَرَّمَةً وَلَا نَقْضَ ‏(‏بِتَنَاوُلِ بَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا‏)‏ أَيْ الْإِبِلِ، كَسَنَامِهَا وَقَلْبِهَا وَكَبِدِهَا وَطِحَالِهَا وَكَرِشِهَا وَمِصْرَانِهَا‏.‏

لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا نَقْضَ أَيْضًا ب ‏(‏شُرْبِ لَبَنِهَا وَ‏)‏ شُرْبِ ‏(‏مَرَقِ لَحْمِهَا‏)‏ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي اللَّحْمِ‏.‏

وَالْحُكْمُ فِيهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَاقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ ‏(‏الثَّامِنُ‏:‏ الرِّدَّةُ‏)‏ عَنْ الْإِسْلَامِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ‏}‏ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ‏}‏ وَالرِّدَّةُ تُبْطِلُ الْإِيمَانَ فَوَجَبَ أَنْ تُبْطِلَ مَا هُوَ شَطْرُهُ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ لَا مَعْنَى لِجَعْلِهَا مِنْ النَّوَاقِضِ، مَعَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، يَعْنِي إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ، إذْ وُجُوبُ الْغُسْلِ مُلَازِمٌ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ، كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَكُلُّ‏)‏ ‏(‏مَا أَوْجَبَ غُسْلًا‏)‏ ‏(‏غَيْرَ مَوْتٍ كَإِسْلَامٍ وَانْتِقَالِ مَنِيٍّ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ ‏(‏أَوْجَبَ وُضُوءًا‏)‏ وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يَجِبُ وُضُوءُهُ، بَلْ يُسَنُّ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ‏:‏ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِنَحْوِ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَرَفَثٍ وَقَذْفٍ‏.‏

نَصًّا، وَلَا بِقَهْقَهَةٍ بِحَالٍ‏.‏

وَلَا بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ‏.‏

لَكِنْ يُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ كَلَامٍ مُحَرَّمٍ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَمِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ‏.‏

وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ‏:‏ لَا تَأْخُذُوا بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ، فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا‏.‏

وَالْقَهْقَهَةُ‏:‏ أَنْ يَضْحَكَ حَتَّى يَحْصُلَ مِنْ ضَحِكِهِ حَرْفَانِ‏.‏

ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ‏(‏وَلَا نَقْضَ بِإِزَالَةِ شَعْرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَظُفْرٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلًا عَمَّا تَحْتَهُ، بِخِلَافِ الْخُفِّ‏.‏

فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِحَدَثٍ، وَأَحْكَامُ الْمُصْحَفِ

‏(‏مَنْ شَكَّ‏)‏ أَيْ تَرَدَّدَ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ الشَّكُّ خِلَافُ الْيَقِينِ ‏(‏فِي طَهَارَةٍ‏)‏ بَعْدَ تَيَقُّنِ حَدَثٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَكَّ فِي ‏(‏حَدَثٍ‏)‏ بَعْدَ تَيَقُّنِ طَهَارَةٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ شَكُّهُ ذَلِكَ ‏(‏فِي غَيْرِ صَلَاةٍ بَنَى عَلَى يَقِينِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ‏{‏شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ‏:‏ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ‏"‏ فِي الصَّلَاةِ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ بِالشَّكِّ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُمَا كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا‏.‏

فَيَرْجِعُ إلَى الْيَقِينِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُلْتَفَت إلَيْهَا‏.‏

كَظَنِّ صِدْقِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ‏.‏

وَالْيَقِينُ‏:‏ مَا أَذْعَنَتْ النَّفْسُ لِلتَّصْدِيقِ بِهِ‏.‏

وَقَطَعَتْ بِهِ وَقَطَعَتْ بِأَنَّ قَطْعَهَا بِهِ صَحِيحٌ‏.‏

قَالَهُ الْمُوَفَّقُ فِي مُقَدِّمَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏

وَسَمَّى مَا هُنَا يَقِينًا بَعْدَ وُرُودِ الشَّكِّ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ السَّابِقِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَدَثَ وَالطَّهَارَةَ، أَيْ تَيَقَّنَ كَوْنَهُ اتَّصَفَ بِالْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ بَعْدَ الشُّرُوقِ مَثَلًا ‏(‏وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ‏:‏ الْحَدَثَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ ‏(‏فَإِنْ جَهِلَ قَبْلَهُمَا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ‏:‏ هَلْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشُّرُوقِ‏؟‏ ‏(‏تَطَهَّرَ‏)‏ وُجُوبًا، إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، لِتَيَقُّنِهِ الْحَدَثَ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ‏.‏

وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ لِأَنَّ وُجُودَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى مَشْكُوكٌ فِيهِ‏:‏ أَكَانَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ‏؟‏ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ هُنَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَجْهَلْ حَالَةً قَبْلَهُمَا بَلْ عَلِمَهَا ‏(‏فَهُوَ عَلَى ضِدِّهَا‏)‏ فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَمُحْدِثٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَمُتَطَهِّرٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ زَوَالَ تِلْكَ الْحَالِ إلَى ضِدِّهَا‏.‏

وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ عَلِمَهَا‏)‏ أَيْ قَبْلَهُمَا ‏(‏وَتَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا‏)‏ أَيْ الطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ ‏(‏رَفْعًا لِحَدَثٍ وَ‏)‏ حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الْحَدَثِ ‏(‏نَقْضًا لِطَهَارَةٍ‏)‏ فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَمُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَقَضَ تِلْكَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَعَ بَقَاءِ تِلْكَ الطَّهَارَةِ، لِتَيَقُّنِ كَوْنِ طَهَارَتِهِ عَنْ حَدَثٍ‏.‏

وَنَقْضُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزُولُ بِهِ الْيَقِينُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلُ مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ، لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ عَنْهَا وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بَعْدَ الْحَدَثِ الثَّانِي طَهَارَةً، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا تَطَهَّرَ لِمَا سَبَقَ ‏(‏أَوْ عَيَّنَ‏)‏ لِفِعْلِ طَهَارَةٍ وَحَدَثٍ ‏(‏وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا‏)‏ أَيْ مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، لِسُقُوطِ هَذَا الْيَقِينِ لِلتَّعَارُضِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا؛ تَطَهَّرَ‏.‏

‏(‏فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمَا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ‏:‏ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَمْ يَدْرِ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا ‏(‏وَ‏)‏ جَهِلَ أَيْضًا ‏(‏أَسْبَقَهُمَا فَبِضِدِّهَا‏)‏ أَيْ ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا إنْ عَلِمَهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا لَوْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً وَفِعْلَ حَدَثٍ، أَوْ حَدَثًا وَفِعْلَ طَهَارَةٍ فَقَطْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا تَيَقَّنَهُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ضِدُّ ذَلِكَ هُوَ الطَّارِئُ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْكَلَامَ عَلَى أَصْلِ الْمَتْنِ وَمَا شُطِبَ مِنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ ‏(‏وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ وَلَمْ يَدْرِ‏:‏ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَا‏)‏ وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا ‏(‏فَمُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا‏)‏ مُحْدِثًا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ مُتَطَهِّرًا، لِتَيَقُّنِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالطَّهَارَةِ وَشَكِّهِ فِي وُجُودِهِ بَعْدَهَا ‏(‏وَعَكْسُ هَذِهِ‏)‏ بِأَنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ وَلَمْ يَدْرِ‏:‏ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا ‏(‏بِعَكْسِهَا‏)‏ فَيَكُونُ مُحْدِثًا مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا لِتَيَقُّنِهِ نَقْضَ الطَّهَارَةِ بِالْحَدَثِ وَشَكِّهِ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مُطْلَقًا ‏(‏وَلَا وُضُوءَ عَلَى سَامِعِي صَوْتِ‏)‏ رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ‏(‏أَوْ شَامِّي رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ‏)‏ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ، فَهُوَ مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ ‏(‏وَلَا‏)‏ وُضُوءَ ‏(‏إنْ مَسَّ وَاحِدٌ ذَكَرَ خُنْثَى وَ‏)‏ مَسَّ ‏(‏آخَرُ فَرْجَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا مَسَّ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْفَرْجَيْنِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَسِّ ذَكَرٍ ذَكَرَهُ وَأُنْثَى قُبُلَهُ ‏(‏وَإِنْ أَمَّ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ أَحَدُ اثْنَيْنِ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ‏(‏الْآخَرَ أَوْ صَافَّهُ وَحْدَهُ أَعَادَا‏)‏ صَلَاتَهُمَا، لِتَيَقُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُحْدِثٌ‏.‏

فَإِنْ صَافَّهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا إعَادَةَ لِانْتِفَاءِ الْفِدْيَةِ‏.‏

وَإِنْ أَمَّهُ مَعَ آخَرَ الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا صَلَاتُهُ ‏(‏وَإِنْ أَرَادَا ذَلِكَ‏)‏ أَيْ أَنْ يَؤُمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ يُصَافِفُهُ وَحْدَهُ ‏(‏تَوَضَّأَ‏)‏ لِيَزُولَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَجْلِهِ‏.‏

قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا‏.‏

لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَحْدَثَ مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ‏.‏ اهـ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَكَذَا فِي جُمُعَةٍ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمَا ‏(‏وَيَحْرُمُ بِحَدَثٍ‏)‏ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى طَهَارَةٍ ‏(‏صَلَاةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ‏.‏

وَسَوَاءٌ الْفَرْضُ أَوْ النَّفَلُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ‏.‏

وَلَا يُكَفَّرُ مَنْ صَلَّى مُحْدِثًا ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ أَيْضًا بِهِ ‏(‏طَوَافٌ‏)‏ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا‏.‏

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ‏}‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ بِهِ أَيْضًا ‏(‏مَسُّ مُصْحَفٍ وَبَعْضِهِ‏)‏ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ‏.‏

لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏‏.‏

وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا‏.‏

وَفِيهِ‏:‏ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ‏}‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلًا‏.‏

وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ‏.‏

وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا ‏(‏حَتَّى جِلْدَهُ‏)‏ أَيْ الْمُصْحَفِ ‏(‏وَحَوَاشِيهِ‏)‏ وَمَا فِيهِ مِنْ وَرَقٍ أَبِيضَ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُ اسْمُ الْمُصْحَفِ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ ‏(‏بِيَدٍ وَغَيْرِهَا‏)‏ كَصَدْرِهِ إذْ كُلُّ شَيْءٍ لَاقَى شَيْئًا فَقَدْ مَسَّهُ ‏(‏بِلَا حَائِلٍ‏)‏ فَإِنْ كَانَ بِحَائِلٍ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الْمَسّ إذَنْ لِلْحَائِلِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ ‏(‏حَمْلُهُ بِعِلَاقَةٍ وَفِي كِيسٍ وَكُمٍّ‏)‏ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، كَحَمْلِهِ فِي رَحْلِهِ‏.‏

لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْمَسِّ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِمَسٍّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ ‏(‏تَصَفُّحُهُ‏)‏ أَيْ الْمُصْحَفِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِكُمِّهِ ‏(‏أَوْ بِعُودٍ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ أَيْضًا ‏(‏مَسُّ تَفْسِيرٍ‏)‏ وَنَحْوِهِ كَكُتُبِ فِقْهٍ وَرَسَائِلَ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ قُرْآنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَسُّ ‏(‏مَنْسُوخٍ تِلَاوَتُهُ‏)‏ وَمَأْثُورٍ عَنْ اللَّهِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا حَمْلُ رُقًى وَتَعَاوِيذَ فِيهَا قُرْآنٌ وَلَا مَسُّ ثَوْبٍ رُقِّمَ بِقُرْآنٍ أَوْ فِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى وَلِيٍّ ‏(‏صَغِيرٍ‏)‏ تَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ ‏(‏لَوْحًا فِيهِ قُرْآنٌ‏)‏ مِنْ مَحَلٍّ خَالٍ مِنْ الْكِتَابَةِ دُونَ الْمَكْتُوبِ‏.‏

وَإِنْ رُفِعَ الْحَدَثُ عَنْ عُضْوٍ لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ قَبْلَ كَمَالِ طَهَارَتِهِ ‏(‏وَيَحْرُمُ مَسُّ مُصْحَفٍ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى مَسِّهِ مَعَ الْحَدَثِ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَكَذَا مَسُّ ذِكْرِ اللَّهِ بِنَجِسٍ‏.‏ اهـ‏.‏

وَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ نَجَاسَةٌ ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏سَفَرٌ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمُصْحَفِ ‏(‏لِدَارِ حَرْبٍ‏)‏ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَ‏)‏ ‏(‏يَحْرُمُ تَوَسُّدُهُ‏)‏ أَيْ الْمُصْحَفِ ‏(‏وَ‏)‏ تَوَسُّدُ ‏(‏كُتُبِ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ‏)‏ وَإِلَّا كُرِهَ، وَيَحْرُمُ الْوَزْنُ بِهِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ‏:‏ إنْ خَافَ سَرِقَةً فَلَا بَأْسَ، وَيَحْرُمُ كَتْبُ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ بِنَجِسٍ‏.‏

‏(‏وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُنُونِ‏:‏ إنْ قَصَدَ بِكَتْبِهِ بِنَجَسِ إهَانَةً، فَالْوَاجِبُ قَتْلُهُ وَإِنْ كُتِبَا بِنَجَسٍ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ أَوْ تَنَجَّسَا وَجَبَ غَسْلُهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ كَتْبُهُ‏)‏ أَيْ الْقُرْآنِ ‏(‏بِحَيْثُ يُهَانُ‏)‏ بِبَوْلِ حَيَوَانٍ، أَوْ جُلُوسٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ إجْمَاعًا، فَيَجِبُ إزَالَتُهُ وَيَحْرُمُ دَوْسُهُ وَدَوْسُ ذِكْرٍ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَا يَنْبَغِي تَعْلِيقُ شَيْءٍ فِيهِ قُرْآنٌ يُهَانُ بِهِ‏.‏

وَفِي الْفُصُولِ‏:‏ يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي‏.‏

وَكَرِهَ أَحْمَدُ شِرَاءَ ثَوْبٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَيُدَاسُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ ‏"‏أَنَّ الصَّحَابَةَ حَرَقَتْهُ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - لِمَا جَمَعُوهُ‏"‏‏.‏

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ‏:‏ ذَلِكَ لَصِيَانَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ دَفَنَ الْمَصَاحِفَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ‏:‏ إذَا بَلِيَ الْمُصْحَفُ وَانْدَرَسَ‏:‏ دُفِنَ‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ مَدُّ رِجْلٍ إلَيْهِ وَاسْتِدْبَارُهُ‏)‏ أَيْ الْمُصْحَفِ، وَكَذَا كُتُبُ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ تَعْظِيمًا ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏تَخَطِّيهِ‏)‏ وَكَذَا رَمْيُهُ بِالْأَرْضِ بِلَا وَضْعٍ وَلَا حَاجَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ، بَلْ هُوَ بِمَسْأَلَةِ التَّوَسُّدِ أَشْبَهُ‏.‏

وَقَدْ رَمَى رَجُلٌ بِكِتَابٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَغَضِبَ وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ هَكَذَا يُفْعَلُ بِكَلَامِ الْأَبْرَارِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏تَحْلِيَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمُصْحَفِ ‏(‏بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ‏)‏ وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ‏:‏ يَحْرُمُ كَتْبُهُ بِذَهَبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زَخْرَفَةِ الْمَصَاحِفِ وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ، فَإِنْ كَانَ يَجْتَمِعُ مِنْهُ مَا يُتَمَوَّلُ زَكَّاهُ‏.‏

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ‏:‏ يُزَكِّيهِ إنْ كَانَ نِصَابًا، وَلَهُ حَكُّهُ وَأَخْذُهُ‏.‏ اهـ‏.‏

وَيَحْرُمُ تَحْلِيَةُ كُتُبِ عِلْمٍ ‏(‏وَيُبَاحُ تَطْيِيبُهُ وَاسْتَحَبَّهُ الْآمِدِيُّ‏)‏ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَيَّبَ الْكَعْبَةَ، وَهِيَ دُونَهُ وَأَمَرَ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ‏.‏

فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى ‏(‏وَيُبَاحُ تَقْبِيلُهُ‏)‏ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ، لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ لَا يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ، إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ عَنْ الْحَجَرِ ‏"‏ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ ‏"‏ وَأَنْكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَبَّلَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا‏.‏

وَظَاهِرُ هَذَا‏:‏ أَنَّهُ لَا يُقَامُ لَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ إذَا اعْتَادَ النَّاسُ قِيَامَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَهُوَ أَحَقُّ ‏(‏وَ‏)‏ تُبَاحُ ‏(‏كِتَابَةُ آيَتَيْنِ فَأَقَلَّ إلَى كُفَّارٍ‏)‏ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ‏:‏ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَةُ خَطِّ عُثْمَانَ فِي وَاوٍ وَيَاءٍ وَأَلِفٍ وَغَيْرِهَا نَصًّا‏.‏

وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا، وَمِنْ قِرَاءَتِهِ، وَتَمَلُّكِهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَهُ نَسْخُهُ بِدُونِ مَسٍّ وَحَمْلُهُ‏.‏

قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْغُسْلِ

بِالضَّمِّ‏:‏ الِاغْتِسَالُ، وَالْمَاءُ يُغْتَسَلُ بِهِ، وَبِالْفَتْحِ‏:‏ مَصْدَرُ غَسَلَ، وَبِالْكَسْرِ‏:‏ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَشَرْعًا ‏(‏اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ فِي جَمِيع بَدَنِهِ‏)‏ أَيْ الْمُغْتَسِلِ ‏(‏عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ‏)‏ يَأْتِي بَيَانُهُ‏.‏

وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا‏}‏ مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ السُّنَّة مُفَصَّلًا، سُمِّيَ ‏(‏جُنُبًا‏)‏ لِنَهْيِهِ أَنْ يَقْرُبَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ، أَوْ لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ، حَتَّى يَتَطَهَّرَ، أَوْ لِأَنَّ الْمَاءَ جَانَبَ مَحَلَّهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا فَوْقَهُ جُنُبٌ، وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ جُنُبَانِ وَجُنُبُونَ ‏(‏وَمُوجِبُهُ‏)‏ أَيْ الْحَدَثِ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ ‏(‏سَبْعَةٌ‏)‏ أَحَدُهَا ‏(‏انْتِقَالُ مَنِيٍّ‏)‏ فَيَجِبُ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إحْسَاسِ الرَّجُلِ بِانْتِقَالِ مَنِيِّهِ عَنْ صُلْبِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِانْتِقَالِهِ عَنْ تَرَائِبِهَا، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تُبَاعِدُ الْمَاءَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏.‏

وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ تُرَاعَى فِيهِ الشَّهْوَةُ‏.‏

وَقَدْ وُجِدَتْ بِانْتِقَالِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ظَهَرَ ‏(‏فَلَا يُعَادُ غُسْلٌ لَهُ بِخُرُوجِهِ‏)‏ أَيْ الْمَنِيِّ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ الْغُسْلِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالِانْتِقَالِ، وَقَدْ اغْتَسَلَ لَهُ‏.‏

فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ ثَانٍ‏.‏

كَبَقِيَّةِ مَنِيٍّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ‏.‏

وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءَ، بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ‏.‏

نَصًّا‏.‏

‏(‏وَيَثْبُتُ بِهِ‏)‏ أَيْ انْتِقَالِ مَنِيٍّ ‏(‏حُكْمُ بُلُوغٍ وَفِطْرٍ وَغَيْرِهِمَا‏)‏ كَوُجُوبِ كَفَّارَةٍ، قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ كَانْتِقَالِ مَنِيٍّ ‏(‏انْتِقَالُ حَيْضٍ‏)‏ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏.‏

فَيَثْبُتُ بِانْتِقَالِهِ مَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ فَإِذَا أَحَسَّتْ بِانْتِقَالِ حَيْضِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهِيَ صَائِمَةٌ أَفْطَرَتْ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ إلَّا بَعْدَهُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ خُرُوجُهُ‏)‏ أَيْ الْمَنِيِّ ‏(‏مِنْ مَخْرَجِهِ‏)‏ الْمُعْتَادِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمَنِيُّ ‏(‏ دَمًا‏)‏ أَيْ أَحْمَرَ كَالدَّمِ لِلْعُمُومَاتِ‏.‏

وَلِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَضَعَّفَهُ بِكَثْرَتِهِ، جُبِرَ بِالْغُسْلِ ‏(‏وَتُعْتَبَرُ لَذَّةٌ‏)‏ أَيْ وُجُوهًا، لِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ ‏(‏فِي غَيْرِ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ اللَّذَّةِ أَنْ يَكُونَ دَفْقًا، فَلِهَذَا اسْتَغْنَيْنَا عَنْ ذِكْرِ الدَّفْقِ بِاللَّذَّةِ‏.‏

‏(‏فَلَوْ‏)‏ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ أَوْ مِنْ يَقْظَانَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ وَهُوَ نَجِسٌ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ، أَوْ ‏(‏جَامَعَ وَأَكْسَلَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَنْزَلَ بِلَا لَذَّةٍ لَمْ يُعِدْ‏)‏ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهَا جَنَابَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ غُسْلَيْنِ ‏(‏وَإِنْ أَفَاقَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَمُغْمًى عَلَيْهِ بَالِغٌ أَوْ مُمْكِنٌ بُلُوغُهُ ‏(‏وَجَدَ‏)‏ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ‏:‏ لَا بِظَاهِرِهِ لِاحْتِمَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ ‏(‏بَلَلًا فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ‏)‏ وُجُوبًا وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا‏.‏

قَالَ الْمُوَفَّقُ‏:‏ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ‏.‏

وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَذْيٌ غَسَلَهُ وَلَمْ يَجِبْ غُسْلٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مَذْيٌ وَلَا مَنِيٌّ ‏(‏وَلَا سَبَبَ‏)‏ سَبَقَ نَوْمُهُ مِنْ مُلَاعَبَةٍ، أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ كَانَ بِهِ إبْرِدَةٌ اغْتَسَلَ وُجُوبًا ‏(‏وَطَهَّرَ مَا أَصَابَهُ‏)‏ الْبَلَلُ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ ‏(‏أَيْضًا‏)‏ احْتِيَاطًا‏.‏

فَإِنْ تَقَدَّمَ نَوْمَهُ سَبَبٌ مِمَّا سَبَقَ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَذْيٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، إنْ لَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا‏.‏

وَإِلَّا وَجَبَ الْغُسْلُ نَصًّا ‏(‏وَمَحَلُّ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا وَجَدَ نَائِمٌ وَنَحْوَهُ بَلَلًا ‏(‏فِي غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَلِمُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ؛ وَلِأَنَّ الْحُلُمَ مِنْ الشَّيْطَانِ‏.‏

وَمَحَلُّهُ أَيْضًا‏:‏ إذَا كَانَ الْبَلَلُ بِثَوْبِهِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ لَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْتَلِمُ‏.‏

فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا غُسْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ‏.‏

لَكِنْ لَا يَأْتَمُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يُصَافَّهُ وَحْدَهُ‏.‏

فَإِنْ أَرَادَا ذَلِكَ اغْتَسَلَا‏.‏

وَمَنْ وَجَدَ مَنِيًّا بِثَوْبٍ لَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ اغْتَسَلَ‏.‏

وَأَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ‏.‏

وَلَا غُسْلَ بِحُلْمٍ بِلَا إنْزَالٍ‏.‏

وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ مِنْ حِينِ أَنْزَلَ إنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ وُجُوبُهُ مِنْ الِاحْتِلَامِ، لِوُجُوبِهِ بِالِانْتِقَالِ فَيُعِيدُ مَا صَلَّى بَعْدَ الِانْتِبَاهِ ‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، أَيْ تَقَابُلُهُمَا وَتَحَاذِيهِمَا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، لَا إنْ تَمَاسَّا بِلَا إيلَاجٍ‏.‏

فَلِذَا قَالَ ‏(‏تَغْيِيبُ حَشَفَتِهِ‏)‏ أَيْ الذَّكَرِ وَيُقَالُ لَهَا الْكَمَرَةُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ حَرَارَةً ‏(‏الْأَصْلِيَّةِ‏)‏ فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ زَائِدَةٍ أَوْ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَغْيِيبِ ‏(‏قَدْرِهَا‏)‏ أَيْ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا ‏(‏بِلَا حَائِلٍ‏)‏ لِانْتِفَاءِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَعَ الْحَائِلِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلَاقِي لِلْخِتَانِ ‏(‏فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِتَغْيِيبٍ فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي قُبُلٍ زَائِدٍ أَوْ قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ ‏(‏دُبُرًا‏)‏ أَوْ كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ ‏(‏لِمَيِّتٍ‏)‏ لِعُمُومِ الْخَبَرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏بَهِيمَةً‏)‏ حَتَّى سَمَكَةً‏.‏

قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ‏.‏

أَشْبَهَ الْآدَمِيَّةَ ‏(‏مِمَّنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ‏)‏ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَبِنْتُ تِسْعٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا‏)‏ أَوْ نَحْوَهُ ‏(‏أَوْ لَمْ يَبْلُغْ‏)‏ كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ‏.‏

وَمَعْنَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ‏:‏ أَنَّ الْغُسْلَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ وَنَحْوِهَا، لَا التَّأْثِيمَ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ‏.‏

‏(‏فَيَلْزَمُ‏)‏ الْغُسْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ إنْ كَانَ يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَوُجِدَ سَبَبُهُ ‏(‏إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ‏)‏ كَقِرَاءَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ‏(‏وُضُوءٍ‏)‏ كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ ‏(‏لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ‏)‏ فَإِنْ أَرَادَهُ كَفَاهُ الْوُضُوءُ كَالْبَالِغِ وَيَأْتِي‏.‏

وَكَذَا يَلْزَمُ مُمَيِّزًا وُضُوءٌ وَاسْتِنْجَاءٌ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُمَا بِمَعْنَى تَوَقُّفِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏أَوْ مَاتَ وَلَوْ شَهِيدًا‏)‏ فَيُغَسَّلُ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ‏(‏وَاسْتِدْخَالُ ذَكَرِ أَحَدِ مَنْ ذُكِرَ‏)‏ مِنْ نَائِمٍ، وَنَحْوِهِ‏:‏ مَجْنُونٌ وَغَيْرُ بَالِغٍ وَمَيِّتٌ وَبَهِيمَةٌ ‏(‏كَإِتْيَانِهِ‏)‏ فَيَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ أَوْ صَغِيرٍ، وَلَوْ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَيِّتٍ وَلَوْ طِفْلًا وَنَحْوَهُمْ‏:‏ الْغُسْلُ لِعُمُومِ ‏"‏ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ ‏"‏ وَيُعَادُ غُسْلُ مَيِّتَةٍ جُومِعَتْ وَمَنْ جُومِعَ فِي دُبُرِهِ لَا غُسْلُ مَيِّتٍ اسْتُدْخِلَ ذَكَرُهُ‏.‏

وَمَنْ قَالَتْ‏:‏ بِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي كَالرَّجُلِ، فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ ‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ إسْلَامُ كَافِرٍ‏)‏ ذَكَرٍ وَأُنْثَى أَوْ خُنْثَى، لِحَدِيثِ ‏{‏قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْكَافِرُ ‏(‏مُرْتَدًّا‏)‏ لِمُسَاوَاتِهِ الْأَصْلِيَّ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الْحُكْمِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْكَافِرُ ‏(‏لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُهُ‏)‏ أَيْ الْغُسْلِ إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْحَدَثِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ يُوجَدُ مِنْهُ فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُهُ، كَفَاهُ غُسْلُ الْإِسْلَامِ عَنْهُ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ‏.‏

قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهَا وَجَبَ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُمَيِّزًا‏)‏ وَأَسْلَمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُوجِبٌ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ‏(‏وَوَقْتُ لُزُومِهِ‏)‏ أَيْ الْغُسْلِ لِلْمُمَيِّزِ ‏(‏كَمَا مَرَّ‏)‏ أَيْ إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ، أَوْ مَاتَ شَهِيدًا‏.‏

‏(‏الْخَامِسُ‏:‏ خُرُوجُ حَيْضٍ‏)‏ وَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَانْقِطَاعُهُ عَنْهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ لَهُ، فَتُغَسَّلُ إنْ اُسْتُشْهِدَتْ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ ‏(‏السَّادِسُ‏:‏ خُرُوجُ دَمِ نِفَاسٍ‏)‏ وَانْقِطَاعُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ لَهُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِمَا ‏(‏فَلَا يَجِبُ‏)‏ الْغُسْلُ ‏(‏بِوِلَادَةٍ عَرَتْ عَنْهُ‏)‏ أَيْ الدَّمِ، وَلَا يَحْرُمُ بِهَا وَطْءٌ‏.‏

وَلَا يَفْسُدُ صَوْمٌ، وَلَا بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ طَاهِرٌ‏.‏

وَمَعَ الدَّمِ يَجِبُ غُسْلِهِ ‏(‏السَّابِعُ‏:‏ الْمَوْتُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏"‏ اغْسِلْنَهَا ‏"‏ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ فِي مَحَلِّهِ ‏(‏تَعَبُّدًا‏)‏ لَا عَنْ حَدَثٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْهُ لَمْ يَرْتَفِعْ مَعَ بَقَاء سَبَبِهِ، وَلَا عَنْ نَجَسٍ، وَإِلَّا لَمَا طَهُرَ مَعَ بَقَاء سَبَبِهِ ‏(‏غَيْرَ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ أَوْ مَقْتُولٍ ظُلْمًا‏)‏ فَلَا يُغَسَّلَانِ، وَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ ‏(‏وَيُمْنَعُ مَنْ‏)‏ وَجَبَ ‏(‏عَلَيْهِ غُسْلٌ‏)‏ لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ ‏{‏كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ - وَرُبَّمَا قَالَ لَا يَحْجِزُهُ - عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، لَيْسَ الْجَنَابَةَ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَاهُ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يُمْنَعُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ ‏(‏بَعْضِهَا‏)‏ أَيْ بَعْضِ آيَةٍ، لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ ‏(‏وَلَوْ كَرَّرَ‏)‏ قِرَاءَةَ الْبَعْضِ ‏(‏مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ‏)‏ نَحْوُ الْجُنُبِ ‏(‏عَلَى قِرَاءَةٍ تَحْرُمُ‏)‏ بِأَنْ يُكَرِّرَ الْأَبْعَاضَ، تَحَيُّلًا عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ فَأَكْثَرَ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ‏.‏

قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ‏:‏ مَا لَمْ تَكُنْ‏)‏ الْآيَةُ ‏(‏طَوِيلَةً‏)‏ فَيَمْتَنِعَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهَا، كَآيَةِ الدَّيْنِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ ‏(‏تَهَجِّيهِ‏)‏ أَيْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ لَهُ‏.‏

فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَلَهُ التَّفَكُّرُ فِيهِ ‏(‏وَتَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوف‏)‏ وَقِرَاءَةُ أَبْعَاضِ آيَةٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوْ آيَاتٍ سَكَتَ بَيْنَهَا طَوِيلًا‏.‏

قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏قَوْلُ مَا وَافَقَ قُرْآنًا‏)‏ مِنْ الْأَذْكَارِ ‏(‏وَلَمْ يَقْصِدْهُ‏)‏ أَيْ الْقُرْآنَ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَآيَاتِ الِاسْتِرْجَاعِ وَالرُّكُوبِ، فَإِنْ قَصَدَ حَرُمَ‏.‏

وَكَذَا لَوْ قَرَأَ مَا لَا يُوَافِقُ ذِكْرًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ‏.‏

وَلَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِتٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏ذِكْرُ‏)‏ اللَّهِ تَعَالَى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ‏}‏ وَيَأْتِي ‏:‏ يُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ ‏(‏وَيَجُوزُ لِجُنُبٍ‏)‏ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ ‏(‏وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا دُخُولُ مَسْجِدٍ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ‏}‏ وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَعَنْ جَابِرٍ ‏"‏ كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا ‏"‏ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا‏.‏

وَمِنْ الْحَاجَةِ كَوْنُهُ طَرِيقًا قَصِيرًا لَكِنْ كَرِهَ أَحْمَدُ اتِّخَاذَهُ طَرِيقًا‏.‏

وَكَذَا يَجُوزُ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ دُخُولُ مَسْجِدٍ إذَا أَمِنَتَا تَلْوِيثَهُ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا ‏(‏لُبْثٌ بِهِ‏)‏ أَيْ بِالْمَسْجِدِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏إلَّا بِوُضُوءٍ‏)‏ فَإِنْ تَوَضَّئُوا جَازَ لَهُمْ اللُّبْثُ فِيهِ‏.‏

لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ ‏"‏ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ‏.‏

قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ‏.‏

وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ، فَيَزُولُ بَعْضُ مَا مَنَعَهُ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَنَامُ غَيْرُهُ‏.‏

‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ الْوُضُوءُ عَلَى الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَاحْتَاجَ لِلُبْثٍ‏)‏ فِي الْمَسْجِدِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا لِحَبْسٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏جَازَ‏)‏ اللُّبْثُ ‏(‏بِلَا تَيَمُّمٍ‏)‏ نَصًّا‏.‏

وَاحْتُجَّ بِأَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ ‏"‏ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ ‏"‏ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَيَمَّمَ ‏(‏وَتَيَمَّمَ‏)‏ جُنُبٌ وَنَحْوُهُ ‏(‏لِلَّبْثِ لِغُسْلٍ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ عَاجِلًا، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلُّبْثِ، خِلَافًا لِابْنِ قُنْدُسٍ، لِأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ جَازَ بِلَا تَيَمُّمٍ ‏(‏وَلَا يُكْرَهُ‏)‏ غُسْلٌ فِي الْمَسْجِدِ ‏(‏وَلَا وُضُوءٌ‏)‏ فِيهِ ‏(‏مَا لَمْ يُؤْذِ‏)‏ الْمَسْجِدَ أَوْ مَنْ بِهِ ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ بِمَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ ‏(‏وَتُكْرَهُ إرَاقَةُ مَاءَيْهِمَا بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَسْجِدِ ‏(‏وَبِمَا يُدَاسُ‏)‏ تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ ‏(‏وَمُصَلَّى الْعِيدِ، لَا‏)‏ مُصَلَّى ‏(‏الْجَنَائِزِ مَسْجِدٌ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَلْيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى‏}‏‏.‏

وَأَمَّا صَلَاةُ الْجَنَائِزِ فَلَيْسَتْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ ‏(‏وَيُمْنَعُ مِنْهُ مَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى‏}‏ وَالْمَجْنُونُ أَوْلَى مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُمْنَعُ مِنْهُ ‏(‏مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى‏)‏ لِئَلَّا يُلَوِّثَهُ ‏(‏وَيُكْرَهُ تَمْكِينُ صَغِيرٍ‏)‏ قَالَ فِي الْآدَابِ‏:‏ وَالْمُرَادُ صَغِيرٌ لَا يُمَيِّزُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ يُبَاحُ غَلْقُ بَابِهِ، لِئَلَّا يَدْخُلَهُ مَنْ يُكْرَهُ دُخُولُهُ إلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَحْرُمُ تَكَسُّبٌ بِصَنْعَةٍ فِيهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ‏.‏

وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْكِتَابَةَ لِأَنَّهَا نَوْعُ تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ‏.‏

وَيَحْرُمُ فِيهِ أَيْضًا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ‏.‏

وَلَا يَصِحَّانِ وَإِنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ نَحْوَ خِيَاطَةٍ لَا لِلتَّكَسُّبِ‏.‏

فَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ الْجَوَازَ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ‏:‏ لَا يَجُوزُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ وَالْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ سِتَّةَ عَشَرَ غُسْلًا

‏(‏آكَدُهَا‏)‏ الْغُسْلُ ‏(‏لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ‏}‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏"‏ وَاجِبٌ ‏"‏ أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ‏.‏

وَيَدُلُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ‏.‏

وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ‏.‏

وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ‏:‏ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهُ‏.‏

وَيُعَضِّدُهُ مَجِيءُ عُثْمَانَ إلَيْهَا بِلَا غُسْلٍ ‏(‏فِي يَوْمِهَا‏)‏ أَيْ الْجُمُعَةِ فَلَا يُجْزِي الِاغْتِسَالُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِهِ، الْمَفْهُومُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ ‏(‏لِذَكَرٍ حَضَرَهَا‏)‏ أَيْ الْجُمُعَةَ‏.‏

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ‏}‏ ‏(‏وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ‏)‏ الْجُمُعَةُ كَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ ‏(‏إنْ صَلَّى‏)‏ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ ‏(‏وَ‏)‏ اغْتِسَالُهُ ‏(‏عِنْدَ جِمَاعٍ أَفْضَلُ‏)‏ لِلْخَبَرِ، وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَلِيهِ الْغُسْلُ ‏(‏لِغُسْلِ مَيِّتٍ‏)‏ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ فِي ثَوْبٍ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَلِيهِ بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ الْغُسْلُ ‏(‏ل‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏عِيدٍ فِي يَوْمِهَا لِحَاضِرِهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

‏(‏إنْ صَلَّى‏)‏ الْعِيدَ ‏(‏وَلَوْ مُنْفَرِدًا‏)‏ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ فَلَا يُشْرَعُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ الْغُسْلُ ‏(‏ل‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏كُسُوفٍ وَ‏)‏ الْخَامِسُ‏:‏ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ ‏(‏اسْتِسْقَاءٍ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، بِجَامِعِ الْإِجْمَاعِ لَهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ السَّادِسُ‏:‏ الْغُسْلُ ‏(‏لِجُنُونٍ‏.‏

وَ‏)‏ السَّابِعُ‏:‏ الْغُسْلُ ‏(‏لِلْإِغْمَاءِ‏)‏ لِإِنْزَالٍ ‏(‏بِاحْتِلَامٍ‏)‏ أَوْ بِغَيْرِهِ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏اغْتَسَلَ لِلْإِغْمَاءِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ احْتَلَمَ وَلَمْ يَشْعُرْ، وَالْجُنُونُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ أَبْلَغُ‏.‏

فَإِنْ أَنْزَلَ وَجَبَ الْغُسْلُ ‏(‏وَ‏)‏ الثَّامِنُ‏:‏ الْغُسْلُ ‏(‏لِاسْتِحَاضَةٍ‏)‏ فَيُسَنُّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ ‏(‏لِكُلِّ صَلَاةٍ‏)‏ ‏{‏لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمَّا اُسْتُحِيضَتْ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ التَّاسِعُ‏:‏ الْغُسْلُ ‏(‏لِإِحْرَامٍ‏)‏ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ‏"‏ أَنَّهُ ‏{‏رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ‏(‏حَتَّى حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ‏)‏ فَيُسَنُّ لَهُمَا الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ، لِلْخَبَرِ وَكَغَيْرِهِمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْعَاشِرُ‏:‏ الْغُسْلُ ‏(‏لِدُخُولِ مَكَّةَ‏)‏ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ‏:‏ حَتَّى لِحَائِضٍ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَنُفَسَاءَ، قِيَاسًا عَلَى الْإِحْرَامِ، وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ بِالْحَرَمِ، كَمَنْ بِمِنَى إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ سُنَّ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْحَادِيَ عَشَرَ‏:‏ لِدُخُولِ ‏(‏حَرَمِهَا‏)‏ أَيْ مَكَّةَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي عَشَرَ‏:‏ ل ‏(‏وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ‏)‏ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثَ عَشَرَ‏:‏ الْغُسْلُ ل ‏(‏طَوَافِ زِيَارَةٍ‏)‏ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعَ عَشَرَ‏:‏ الْغُسْلُ لِطَوَافِ ‏(‏وَدَاعٍ وَ‏)‏ الْخَامِسَ عَشَرَ‏:‏ ل ‏(‏مَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةِ وَ‏)‏ السَّادِسَ عَشَرَ ‏:‏ الْغُسْلُ ل ‏(‏رَمْي جِمَارٍ‏)‏ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَنْسَاكٌ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فَاسْتُحِبَّ لَهَا الْغُسْلُ‏.‏

كَالْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ‏.‏

وَوَقْتُ الْغُسْلِ لِصَلَاةِ اسْتِسْقَاءٍ‏:‏ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ إلَيْهَا‏.‏

وَوَقْتُ الْكُسُوفِ‏:‏ عِنْدَ وُقُوعِهِ، وَفِي الْحَجِّ‏:‏ عِنْدَ إرَادَةِ النُّسُكِ الَّذِي يُسَنُّ لَهُ قَرِيبًا مِنْهُ‏.‏

وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ‏:‏ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِغَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ، كَالْحِجَامَةِ وَدُخُولِ طَيْبَةَ وَكُلِّ مُجْتَمَعٍ ‏(‏وَيَتَيَمَّمُ‏)‏ اسْتِحْبَابًا ‏(‏لِلْكُلِّ‏)‏ أَيْ كُلِّ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ ‏(‏لِحَاجَةٍ‏)‏ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ، كَتَعَذُّرِ الْمَاءِ، لِعَدَمٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا اسْتِحْبَابًا ‏(‏لِمَا يُسَنُّ لَهُ الْوُضُوءُ‏)‏ مِنْ قِرَاءَةٍ وَأَذَانٍ وَشَكٍّ وَغَضَبٍ، وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏لِعُذْرٍ‏)‏ يُبِيحُهُ، إلْحَاقًا لِلْمَسْنُونِ بِالْوَاجِبِ بِجَامِعِ الْأَمْرِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ

وَهُوَ كَامِلٌ وَمُجْزِئٌ ‏(‏وَصِفَةُ الْغُسْلِ الْكَامِلِ‏)‏ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا ‏(‏أَنْ يَنْوِيَ‏)‏ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، أَوْ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ، أَوْ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ‏(‏وَيُسَمِّيَ‏)‏ أَيْ يَقُولُ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ، بَعْدَ النِّيَّةِ ‏(‏وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا‏)‏ خَارِجَ الْمَاءِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ وَيَصُبُّ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَغْسِلُ ‏(‏مَا لَوَّثَهُ‏)‏ طَاهِرًا، كَالْمَنِيِّ، أَوْ نَجِسًا كَالْمَذْيِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا كَامِلًا وَيُرَوِّي‏)‏ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ ‏(‏رَأْسَهُ‏)‏ أَيْ أُصُولَ شَعْرِهِ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ يَحْثِي الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَغْسِلُ ‏(‏بَقِيَّةَ جَسَدِهِ‏)‏ بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعْرَهُ بِيَدَيْهِ، حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ رَوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَّلَ سَائِرَ جَسَدِهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَيَتَيَامَنُ‏)‏ أَيْ يَبْدَأُ بِمَيَامِنِهِ اسْتِحْبَابًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَيُدَلِّكَهُ‏)‏ أَيْ جَسَدَهُ اسْتِحْبَابًا، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، ‏{‏لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إنَّمَا يَكْفِيَكِ أَنْ تَحْثِيَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَيُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ بِمَكَانٍ آخَرَ‏)‏ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ ‏"‏ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ‏"‏ وَتُكْرَهُ إعَادَةُ وُضُوءٍ بَعْدَ غُسْلِ ‏(‏وَيَكْفِي الظَّنُّ‏)‏ أَيْ ظَنُّ الْمُغْتَسِلِ ‏(‏فِي الْإِسْبَاغِ‏)‏ أَيْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ‏:‏ يُحَرِّكُ خَاتَمَهُ، لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ صِفَةُ الْغُسْلِ ‏(‏الْمُجْزِئِ‏:‏ أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ‏)‏ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَيَعُمَّ بِالْمَاءِ بَدَنَهُ‏)‏ جَمِيعَهُ، سِوَى دَاخِلِ عَيْنٍ، فَلَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ ‏(‏حَتَّى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ عِنْدَ قُعُودِهَا ل‏)‏ قَضَاءِ ‏(‏حَاجَةِ‏)‏ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ ‏(‏وَ‏)‏ حَتَّى ‏(‏بَاطِنِ شَعْرٍ‏)‏ خَفِيفٍ وَكَثِيفٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ لَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِهِ‏.‏

فَوَجَبَ كَبَاقِيهِ، وَيَتَفَقَّدُ أُصُولَ شَعْرِهِ‏.‏

وَغَضَارِيفَ أُذُنَيْهِ، وَتَحْتَ حَلْقِهِ وَإِبِطَيْهِ، وَعُمْقَ سُرَّتِهِ وَبَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَطَيْ رُكْبَتَيْهِ، وَتَقَدَّمَ‏:‏ لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ فَرْجٍ وَحَشَفَةٍ غَيْرِ مَفْتُوقٍ مِنْ جَنَابَةٍ ‏(‏وَيَجِبُ نَقْضُ‏)‏ شَعْرِ امْرَأَةٍ ‏(‏ل‏)‏ غُسْلِ ‏(‏حَيْضٍ‏)‏ وُجُوبًا، لِحَدِيثِ ‏{‏عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إذَا كُنْتِ حَائِضًا خُذِي مَاءَكِ وَسِدْرَكِ، وَامْتَشِطِي‏}‏ وَلَا يَكُونُ الْمَشْطُ إلَّا فِي شَعْرٍ غَيْرِ مَضْفُورٍ‏.‏

وَلِلْبُخَارِيِّ ‏"‏ اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَتَمَشَّطِي ‏"‏ وَلِابْنِ مَاجَهْ ‏"‏ اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِي ‏"‏ وَلِتَحَقُّقِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَعُفِيَ عَنْهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيَشُقُّ ذَلِكَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ، وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ ‏(‏وَيَرْتَفِعُ حَدَثٌ‏)‏ أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ‏(‏قَبْلَ زَوَالِ حُكْمِ خَبَثٍ‏)‏ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، كَطَاهِرٍ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ، بِخِلَافِ مَا يَمْنَعُهُ ‏(‏وَتُسَنُّ مُوَالَاةٌ‏)‏ فِي غُسْلٍ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجِبُ كَالتَّرْتِيبِ، لِأَنَّ الْبَدَنَ شَيْءٌ وَاحِدٌ ‏(‏فَإِنْ فَاتَتْ‏)‏ الْمُوَالَاةُ بِأَنْ أَخَّرَ غُسْلَ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ زَمَنًا يَجِفُّ فِيهِ مَا غَسَلَهُ قَبْلَهُ ‏"‏ جَدَّدَ لِإِتْمَامِهِ ‏"‏ أَيْ الْغُسْلِ ‏"‏ نِيَّةً ‏"‏ لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ فَيَقَعُ غَسْلُ مَا بَقِيَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏سِدْرٌ فِي غُسْلِ كَافِرٍ أَسْلَمَ‏)‏ لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ‏.‏

وَتَقَدَّمَ ‏(‏كَ‏)‏ مَا يُسَنُّ لِكَافِرٍ أَسْلَمَ ‏(‏إزَالَةُ شَعْرِهِ‏)‏ ‏{‏لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ أَيْضًا سِدْرٌ فِي غُسْلِ ‏(‏حَائِضٍ طَهُرَتْ‏)‏ مِنْ حَيْضٍ وَمِثْلُهَا نُفَسَاءُ‏.‏

لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ أَيْضًا ‏(‏أَخْذُهَا‏)‏ أَيْ الْحَائِضِ ‏(‏مِسْكًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ‏)‏ مِسْكًا ‏(‏فَطِيبًا‏)‏ أَيَّ طِيبٍ كَانَ، إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْرِمَةً، أَوْ كَانَتْ حَادَّةً أَيْضًا ‏(‏فَإِنْ لَمْ تَجِدْ‏)‏ طِيبًا ‏(‏فَطِينًا تَجْعَلُهُ‏)‏ أَيْ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ مِسْكٍ أَوْ طِيبٍ أَوْ طِينٍ ‏(‏فِي فَرْجِهَا‏)‏ لِيَقْطَعَ رَائِحَةَ الْحَيْضِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ ‏(‏فِي قُطْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا‏)‏ مِمَّا يُمْسِكُهُ‏.‏

وَيَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ ‏(‏بَعْدَ غُسْلِهَا‏)‏ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ أَسْمَاءُ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ‏"‏ وَالْفِرْصَةُ‏:‏ الْقِطْعَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ، كَمَا يَأْتِي، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا‏:‏ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الطِّينَ فَبِمَاءٍ طَهُورٍ ‏(‏وَسُنَّ تَوَضُّؤٌ بِمُدٍّ‏)‏ مِنْ مَاءٍ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَزِنَتُهُ‏)‏ أَيْ ‏(‏الْمُدِّ‏)‏ ‏(‏مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ‏)‏ دِرْهَمًا ‏(‏وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ‏)‏ إسْلَامِيٍّ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ بِالْمَثَاقِيلِ ‏(‏مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا وَ‏)‏ بِالْأَرْطَالِ ‏(‏رِطْلٌ وَثُلُثٌ عِرَاقِيٌّ وَمَا وَافَقَهُ‏)‏ فِي زِنَتِهِ مِنْ الْبُلْدَانِ ‏(‏وَرِطْلٌ وَسُبُعُ‏)‏ رِطْلٍ ‏(‏وَثُلُثُ سُبُعِ‏)‏ رِطْلٍ ‏(‏مِصْرِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ‏)‏ كَالْمَكِّيِّ‏.‏

وَذَلِكَ رِطْلٌ وَأُوقِيَّتَانِ وَسُبُعَا أُوقِيَّةٍ ‏(‏وَهِيَ ثَلَاثُ أَوَاقٍ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ بِوَزْنِ دِمِشْقَ وَمَا وَافَقَهُ‏.‏

وَهِيَ أُوقِيَّتَانِ وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ‏)‏ أُوقِيَّةٍ ‏(‏ب‏)‏ الْوَزْنِ ‏(‏الْحَلَبِيِّ وَمَا وَافَقَهُ‏.‏

وَ‏)‏ هِيَ ‏(‏أُوقِيَّتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ بِالْقُدْسِيِّ وَمَا وَافَقَهُ‏)‏ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمِيَاهِ بَيَانُ الْمُوَافِقِ لِمَا ذُكِرَ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏اغْتِسَالٌ ‏(‏بِصَاعٍ‏)‏‏)‏ لِحَدِيثِ أَنَسٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَتَكُونُ ‏(‏زِنَتُهُ‏)‏ بِالدِّرْهَمِ ‏(‏سِتُّمِائَةِ‏)‏ دِرْهَمٍ ‏(‏وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ‏)‏ دِرْهَمًا ‏(‏وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ‏)‏ إسْلَامِيٍّ ‏(‏وَهِيَ بِالْمَثَاقِيلِ أَرْبَعُمِائَةِ‏)‏ مِثْقَالٍ ‏(‏وَثَمَانُونَ مِثْقَالًا‏.‏

وَ‏)‏ بِالْأَرْطَالِ ‏(‏خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثِ‏)‏ رِطْلٍ ‏(‏عِرَاقِيَّةٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبٍ ‏"‏ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ ‏"‏ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ‏.‏ وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ‏:‏ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ‏.‏

وَيُعْتَبَرُ ‏(‏بِالْبُرِّ الرَّزِينِ‏)‏ أَيْ الْجَيِّدِ‏.‏

وَيَأْتِي أَنَّهُ مَا يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي زِنَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏أَرْبَعَةُ‏)‏ أَرْطَالٍ ‏(‏وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ‏)‏ رِطْلٍ ‏(‏وَثُلُثُ سُبْعِ رِطْلٍ مِصْرِيٍّ‏)‏ وَمَا وَافَقَهُ، أَيْ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ وَتِسْعُ أَوَاقٍ وَسُبْعُ أُوقِيَّةٍ مِصْرِيَّةٍ ‏(‏وَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏رِطْلٌ وَسُبْعُ رِطْلٍ دِمَشْقِيٍّ‏)‏ وَمَا وَافَقَهُ ‏(‏وَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏إحْدَى عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ‏)‏ أُوقِيَّةٍ ‏(‏حَلَبِيَّةٍ‏)‏ وَمَا وَافَقَهَا ‏(‏وَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏عَشْرُ أَوَاقٍ وَسُبْعَانِ‏)‏ مِنْ أُوقِيَّةٍ ‏(‏قُدْسِيَّةٍ‏)‏ وَمَا وَافَقَهَا‏.‏

قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ وَهَذَا‏)‏ أَيْ بَيَانُ قَدْرِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ بِهَذِهِ الْأَوْزَانِ ‏(‏يَنْفَعُكَ هُنَا وَفِي الْفِطْرَةِ‏)‏ أَيْ زَكَاةِ الْفِطْرِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الْفِدْيَةِ‏)‏ فِي الْحَجِّ وَفِي الْعُمْرَةِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الْكَفَّارَةِ‏)‏ أَيْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَيَمِينٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏غَيْرِهَا‏)‏ كَنَذْرِ الصَّدَقَةِ بِمُدٍّ أَوْ صَاعٍ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ اغْتِسَالٌ ‏(‏عُرْيَانًا‏)‏ إنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَإِلَّا حُرِّمَ‏.‏

قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَقَدْ دَخَلَا الْمَاءَ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَانِ ‏"‏ إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا ‏"‏ وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ لَا بَأْسَ خَالِيًا وَالسَّتْرُ أَفْضُلُ ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ أَيْضًا ‏(‏إسْرَافٌ‏)‏ فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ، وَلَوْ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ ‏{‏إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ‏:‏ مَا هَذَا السَّرَفُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ‏}‏ و‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏إسْبَاغٌ‏)‏ فِي وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ ‏(‏بِدُونِ مَا ذُكِرَ‏)‏ مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمُدِّ وَالْغُسْلِ بِالصَّاعِ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏عَائِشَةَ كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَالْإِسْبَاغُ‏:‏ تَعْمِيمُ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ، بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ؛ فَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ وَلَا إمْرَارُ الثَّلْجِ عَلَيْهِ وَلَوْ ابْتَلَّ بِهِ الْعُضْوُ إنْ لَمْ يَذُبْ‏.‏

وَيَجْرِي عَلَيْهِ ‏(‏وَمَنْ نَوَى بِغُسْلٍ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ‏)‏ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَاغْتَسَلَ أَجْزَأَ عَنْهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى بِغُسْلِهِ رَفْعَ ‏(‏الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ‏)‏ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْأَكْبَرِ وَلَا بِالْأَصْغَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا ‏(‏أَوْ نَوَى بِغُسْلِهِ أَمْرًا‏)‏ أَيْ فِعْلَ أَمْرٍ ‏(‏لَا يُبَاحُ إلَّا بِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ‏)‏ كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَاغْتَسَلَ ‏(‏أَجْزَأَ‏)‏ الْغُسْلُ ‏(‏عَنْهُمَا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا‏}‏ جَعَلَ الْغُسْلَ غَايَةً لِلْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ‏.‏

فَإِذَا اغْتَسَلَ وَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْهَا وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ فَدَخَلَتْ الصُّغْرَى فِي الْكُبْرَى، كَالْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ إذَا كَانَ قَارِنًا‏.‏

وَإِنْ نَوَى الْغُسْلَ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ لِقِرَاءَةٍ؛ لَمْ يَرْتَفِعْ الْأَصْغَرُ‏.‏

وَإِنْ نَوَتْ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا حِلَّ الْوَطْءُ بِغُسْلِهَا صَحَّ‏.‏

وَإِنْ أَحْدَثَ مَنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ وَنَحْوَهُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ؛ أَتَمَّ غُسْلَهُ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ تَوَضَّأَ‏.‏

وَفُهِمَ مِنْهُ‏:‏ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ‏.‏

وَصَرَّحَ بِهِ قَبْلُ، فَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، ثُمَّ أَرَادَ غُسْلَهَا مِنْ الْحَدَثَيْنِ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِيهَا وَلَا الْمُوَالَاةُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ بَاقٍ ‏(‏وَسُنَّ لِكُلِّ‏)‏ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ ‏(‏مِنْ جُنُبٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏أُنْثَى، وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا‏:‏ غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ لِنَوْمٍ‏)‏ لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ‏}‏‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏‏:‏ ‏{‏ذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيَّةَ الْجَنَابَةِ مِنْ اللَّيْلِ‏.‏

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ‏(‏وَكُرِهَ تَرْكُهُ‏)‏ أَيْ تَرْكُ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ الْوُضُوءَ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ لِلنَّوْمِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لِجُنُبٍ أَيْضًا الْوُضُوءُ ‏(‏لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَاكِمُ، وَزَادَ ‏"‏ فَإِنَّهُ أَنْشَطُ ‏"‏ ‏(‏وَالْغُسْلُ‏)‏ لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَيْضًا لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا الْوُضُوءُ ‏(‏لِأَكْلٍ وَشُرْبٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ‏.‏

وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا فِي مَعْنَاهُ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ نَقْضُهُ‏)‏ أَيْ الْوُضُوءُ ‏(‏بَعْدُ‏)‏ فَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ‏.‏

وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْفِيفِ الْحَدَثِ أَوْ النَّشَاطِ، وَقَدْ حَصَلَ‏.‏

فَصْلٌ فِي الْحَمَّامِ

وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْحَمِيمِ، أَيْ الْمَاءِ الْحَارِّ‏.‏

وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهُ‏:‏ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ‏(‏يُكْرَهُ بِنَاءُ الْحَمَّامِ وَبَيْعُهُ وَإِجَارَتِهِ‏)‏ لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ‏:‏ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ بَنَاهُ لِلنِّسَاءِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُكْرَه ‏(‏الْقِرَاءَةُ‏)‏ فِيهِ‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ خَفَضَ صَوْتَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏السَّلَامُ فِيهِ‏)‏‏.‏

رَدًّا وَابْتِدَاءً‏.‏

وَفِي الشَّرْحِ‏:‏ الْأَوْلَى جَوَازُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ‏}‏ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ‏.‏

وَالْأَشْيَاءُ عَلَى الْإِبَاحَةِ و‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏الذِّكْرُ‏)‏ فِيهِ‏.‏

لِمَا رَوَى النَّخَعِيّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ‏"‏ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَقَالَ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ‏"‏ ‏(‏وَدُخُولُهُ‏)‏ أَيْ دُخُولُ ذَكَرٍ حَمَّامًا ‏(‏بِسُتْرَةٍ مَعَ أَمْنِ الْوُقُوعِ فِي مُحَرَّمٍ مُبَاحٍ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا كَانَ بِالْجُحْفَةِ‏.‏

‏{‏وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ، يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ‏}‏ ‏(‏وَإِنْ خِيفَ‏)‏ بِدُخُولِهِ الْوُقُوعُ فِي مَحْرَمٍ ‏(‏كُرِهَ‏)‏ دُخُولُهُ، خَشْيَةَ الْمَحْظُورِ‏.‏

وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ‏"‏ بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُبْدِي الْعَوْرَةَ، وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ ‏"‏ رَوَاهُ ابْن أَبِي شَيْبَة فِي مُصَنَّفِهِ ‏(‏وَإِنْ عَلِمَ‏)‏ الْوُقُوعَ فِي مُحَرَّمٍ بِدُخُولِهِ ‏(‏حَرُمَ‏)‏ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا أَحْكَامُ الْمَقَاصِدِ ‏(‏أَوْ دَخَلَتْهُ أُنْثَى بِلَا عُذْرٍ‏)‏ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ ‏(‏حَرُمَ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا حَمَّامَاتٍ؛ فَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ، إلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَأَمِنَتْ الْوُقُوعَ فِي مُحَرَّمٍ جَازَ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ غُسْلُهَا بِبَيْتِهَا، خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ وَالْإِقْنَاعِ‏.‏

وَلَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ قُرْبَ الْغُرُوبِ وَلَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي دُخُولِهِ، وَيَقْصِدُ مَوْضِعًا خَالِيًا وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَارًّا حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ، وَيُقِلُّ الِالْتِفَاتَ وَلَا يُطِيلُ الْمَقَامَ، بَلْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا خَرَجَ بِمَاءٍ بَارِدٍ وَيَغْسِلُ أَيْضًا قَدَمَيْهِ وَإِبِطَيْهِ عِنْدَ دُخُولِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ‏.‏